سورة التحريم - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التحريم)


        


قوله: {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} اختلف في سبب نزول الآية على أقوال: الأوّل قول أكثر المفسرين. قال الواحدي: قال المفسرون: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة، فزارت أباها، فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت، فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها: لا تخبري عائشة، ولك عليّ أن لا أقربها أبداً، فأخبرت حفصة عائشة، وكانتا متصافيتين، فغضبت عائشة، ولم تزل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقرب مارية. فأنزل الله هذه السورة. قال القرطبي: أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة، وذكر القصة. وقيل: السبب أنه كان صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فتواطأت عائشة وحفصة أن تقولا له إذا دخل عليهما إنا نجد منك ريح مغافير. وقيل: السبب المرأة التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وسيأتي دليل هذه الأقوال آخر البحث إن شاء الله، وستعرف كيفية الجمع بينهما، وجملة {تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أزواجك} مستأنفة، أو مفسرة لقوله: {تُحَرّمُ}، أو في محل نصب على الحال من فاعل {تحرّم} أي: مبتغياً به مرضاة أزواجك، و{مرضاة} اسم مصدر، وهو الرضى، وأصله مرضوة، وهو مضاف إلى المفعول، أي: أن ترضي أزواجك، أو إلى الفاعل، أي: أن يرضين هنّ {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: بليغ المغفرة والرحمة لما فرط منك من تحريم ما أحلّ الله لك، قيل: وكان لك ذنباً من الصغائر، فلذا عاتبه الله عليه، وقيل: إنها معاتبة على ترك الأولى. {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم} أي: شرع لكم تحليل أيمانكم، وبيّن لكم ذلك، وتحلة أصلها: تحللة، فأدغمت. وهي من مصادر التفعيل كالتوصية والتسمية، فكأن اليمين عقد، والكفارة حلّ؛ لأنها تحلّ للحالف ما حرّمه على نفسه. قال مقاتل: المعنى قد بيّن الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة. أمر الله نبيه أن يُكَفر يمينه، ويراجع وليدته، فأعتق رقبة. قال الزجاج: وليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله.
قلت: وهذا هو الحقّ أن تحريم ما أحلّ الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه. فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره، ومعاتبته لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك، والبحث طويل، والمذاهب فيه كثيرة، والمقالات فيه طويلة، وقد حققناه في مؤلفاتنا بما يشفي.
واختلف العلماء هل مجرّد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا؟ وفي ذلك خلاف، وليس في الآية ما يدلّ على أنه يمين؛ لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله له، ثم قال: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم} وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية أنه حرّم أوّلاً، ثم حلف ثانياً، كما قدّمنا {والله مولاكم} أي: وليكم وناصركم، والمتولي لأموركم {وَهُوَ العليم} بما فيه صلاحكم وفلاحكم {الحكيم} في أفعاله وأقواله.
{وَإِذَ أَسَرَّ النبى إلى بَعْضِ أزواجه حَدِيثاً} قال أكثر المفسرين: هي حفصة كما سبق، والحديث، هو تحريم مارية، أو العسل، أو تحريم التي وهبت نفسها له، والعامل في الظرف فعل مقدّر، أي: واذكر إذ أسرّ.
وقال الكلبي: أسرّ إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} أي: أخبرت به غيرها {وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} أي: أطلع الله نبيه على ذلك الواقع منها من الإخبار لغيرها {عَرَّفَ بَعْضَهُ} أي: عرّف حفصة بعض ما أخبرت به. قرأ الجمهور: {عرّف} مشدّداً من التعريف، وقرأ عليّ، وطلحة بن مصرف، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والكسائي بالتخفيف. واختار أبو عبيد، وأبو حاتم القراءة الأولى لقوله: {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} أي: لم يعرّفها إياه، ولو كان مخففاً لقال في ضدّه: وأنكر بعضاً {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} أي: وأعرض عن تعريف بعض ذلك كراهة أن ينتشر في الناس، وقيل: الذي أعرض عنه هو حديث مارية. وللمفسرين ها هنا خبط وخلط، وكلّ جماعة منهم ذهبوا إلى تفسير التعريف والإعراض بما يطابق بعض ما ورد في سبب النزول، وسنوضح لك ذلك إن شاء الله {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} أي: أخبرها بما أفشت من الحديث {قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا} أي: من أخبرك به {قَالَ نَبَّأَنِىَ العليم الخبير} أي: أخبرني الذي لا يخفى عليه خافية. {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الخطاب لعائشة وحفصة، أي: إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، ومعنى {صَغَتْ}: عدلت ومالت عن الحقّ، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إفشاء الحديث. وقيل المعنى: إن تتوبا إلى الله، فقد مالت قلوبكما إلى التوبة، وقال: {قلوبكما}، ولم يقل قلباكما؛ لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي: تتظاهرا، قرأ الجمهور {تظاهرا} بحذف إحدى التاءين تخفيفاً. وقرأ عكرمة: {تتظاهرا} على الأصل. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، ونافع، وعاصم في رواية عنهما: {تظهر} بتشديد الظاء والهاء بدون ألف، والمراد بالتظاهر التعاضد والتعاون، والمعنى: وإن تعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سرّه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مولاه وَجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِينَ} أي: فإن الله يتولى نصره وكذلك جبريل، ومن صلح من عباده المؤمنين، فلن يعدم ناصراً ينصره {وَالْمَلَئِكَةُ بَعْدَ ذلك} أي: بعد نصر الله له، ونصر جبريل، وصالح المؤمنين {ظَهِير} أي: أعوان يظاهرونه، والملائكة مبتدأ، وخبره ظهير.
قال أبو عليّ الفارسي: قد جاء فعيل للكثرة كقوله: {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج: 10] قال الواحدي: وهذا من الواحد الذي يؤدّي عن الجمع كقوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء: 69] وقد تقرّر في علم النحو أن مثل جريح وصبور وظهير يوصف به الواحد والمثنى والجمع. وقيل: كان التظاهر بين عائشة وحفصة في التحكم على النبيّ صلى الله عليه وسلم في النفقة. {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أزواجا خَيْراً مّنكُنَّ} أي: يعطيه بدلكنّ أزواجاً أفضل منكنّ، وقد علم الله سبحانه أنه لا يطلقهنّ؛ ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن وقع منه الطلاق أبدله خيراً منهن تخويفاً لهنّ. وهو كقوله: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد: 38] فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم. ثم نعت سبحانه الأزواج بقوله: {مسلمات مؤمنات} أي: قائمات بفرائض الإسلام مصدّقات بالله وملائكته، وكتبه ورسله، والقدر خيره وشرّه.
وقال سعيد بن جبير: مسلمات أي: مخلصات وقيل معناه: مسلمات لأمر الله ورسوله {قانتات} مطيعات لله، والقنوت: الطاعة، وقيل: مصليات {تائبات} يعني: من الذنوب {عابدات} لله متذللات له. قال الحسن، وسعيد بن جبير: كثيرات العبادة {سائحات} أي: صائمات.
وقال زيد بن أسلم: مهاجرات، وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلاّ الهجرة. قال ابن قتيبة، والفراء، وغيرهما: وسمي الصيام سياحة لأن السائح لا زاد معه، وقيل المعنى: ذاهبات في طاعة الله، من ساح الماء: إذا ذهب، وأصل السياحة: الجولان في الأرض، وقد مضى الكلام على السياحة في سورة براءة {ثيبات وَأَبْكَاراً} وسط بينهما العاطف لتنافيهما، والثيبات: جمع ثيب، وهي المرأة التي قد تزوّجت، ثم ثابت عن زوجها فعادت، كما كانت غير ذات زوج. والأبكار: جمع بكر، وهي العذراء، سميت بذلك؛ لأنها على أوّل حالها التي خلقت عليه.
وقد أخرج البخاري وغيره عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها لبناً، أو عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له، فقال: «لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود»، فنزلت: {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} إلى قوله: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله} لعائشة وحفصة {وَإِذَ أَسَرَّ النبى إلى بَعْضِ أزواجه حَدِيثاً} لقوله: «بل شربت عسلاً».
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، قال السيوطي بسندٍ صحيح عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من شراب عند سودة من العسل، فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحاً، فدخل على حفصة، فقالت: إني أجد منك ريحاً، فقال: «أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه أبداً»، فأنزل الله: {عِلْمَا ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ} الآية.
وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن رافع قال: سألت أمّ سلمة عن هذه الآية {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ} قالت: كانت عندي عكة من عسل أبيض، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يلعق منها، وكان يحبه. فقالت له عائشة: نحلها تجرس عرفطاً فحرّمها، فنزلت الآية.
وأخرج النسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراماً، فأنزل الله هذه الآية {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ} وأخرج البزار، والطبراني، قال السيوطي: بسندٍ صحيح عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب: من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال: عائشة وحفصة، وكان بدوّ الحديث في شأن مارية القبطية أمّ إبراهيم أصابها النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها، فوجدت حفصة، فقالت: يا رسول الله لقد جئت إليّ بشيء ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري على فراشي، قال: «ألا ترضين أن أحرمها، فلا أقربها أبداً؟» قالت: بلى فحرّمها وقال: «لا تذكري ذلك لأحد»، فذكرته لعائشة، فأظهره الله عليه، فأنزل الله: {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ}. الآيات كلها، فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَفّر عن يمينه وأصاب مارية.
وأخرجه ابن سعد، وابن مردويه عنه بأطول من هذا، وأخرجه ابن مردويه أيضاً من وجه آخر عنه بأخصر منه، وأخرجه ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه عنه مختصراً بلفظ قال: حرّم سريته، وجعل ذلك سبب النزول في جميع ما روي عنه من هذه الطرق، وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده، والضياء المقدسي في المختارة من طريق نافع عن ابن عمر قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لحفصة: «لا تحدّثي أحداً، وإن أمّ إبراهيم عليّ حرام»، فقالت: أتحرّم ما أحلّ الله لك؟ قال: «فوالله لا أقربها»، فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم}.
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي هريرة أن سبب نزول الآية تحريم مارية كما سلف، وسنده ضعيف. فهذان سببان صحيحان لنزول الآية، والجمع ممكن بوقوع القصتين: قصة العسل، وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعاً، وفي كل واحد منهما أنه أسرّ الحديث إلى بعض أزواجه.
وأما ما قيل: من أن السبب هو تحريم المرأة التي وهبت نفسها، فليس في ذلك إلاّ ما روى ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} في المرأة التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم. قال السيوطي: وسنده ضعيف. ويردّ هذا أيضاً أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقبل تلك الواهبة لنفسها، فكيف يصحّ أن يقال: إنه نزل في شأنها {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ}؟ فإن من ردّ ما وهب له لم يصحّ أن يقال: إنه حرّمه على نفسه، وأيضاً لا ينطبق على هذا السبب قوله: {وَإِذَ أَسَرَّ النبى إلى بَعْضِ أزواجه حَدِيثاً} إلى آخر ما حكاه الله. وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنهما عائشة وحفصة، ثم ذكر قصة الإيلاء، كما في الحديث الطويل، فليس في هذا نفي لكون السبب هو ما قدّمنا من قصة العسل، وقصة السرية؛ لأنه إنما أخبره بالمتظاهرتين، وذكر فيه أن أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم يراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل، وأن ذلك سبب الاعتزال لا سبب نزول: {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ}. ويؤيد هذا ما قدّمنا عن ابن عباس أنه قال لعمر: من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ فأخبره بأنهما حفصة وعائشة، وبيّن له أن السبب قصة مارية. هذا ما تيسر من تلخيص سبب نزول الآية، ودفع الاختلاف في شأنه، فاشدد عليه يديك؛ لتنجو به من الخبط والخلط الذي وقع للمفسرين.
وأخرج عبد الرزاق، والبخاري، وابن مردويه عن ابن عباس قال: في الحرام يكفر، وقال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وأخرج ابن المنذر، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه جاءه رجل، فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حراماً، فقال: كذبت ليست عليك بحرام، ثم تلا {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} قال: عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن عائشة قالت: لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح، فأنزل الله: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم} فأحلّ يمينه وأنفق عليه.
وأخرج ابن عديّ، وابن عساكر عن عائشة في قوله: {وَإِذَ أَسَرَّ النبى إلى بَعْضِ أزواجه حَدِيثاً} قالت: أسرّ إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي.
وأخرج ابن عديّ، وأبو نعيم في الصحابة، والعشاري في فضائل الصدّيق، وابن مردويه، وابن عساكر من طرق عن عليّ، وابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب: {وَإِذَ أَسَرَّ النبى إلى بَعْضِ أزواجه حَدِيثاً} قال لحفصة: أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي، فإياك أن تخبري أحداً بهذا.
قلت: وهذا ليس فيه أنه سبب نزول قوله: {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} بل فيه أن الحديث الذي أسرّه صلى الله عليه وسلم هو هذا، فعلى فرض أن له إسناداً يصلح للاعتبار هو معارض بما سبق من تلك الروايات الصحيحة، وهي مقدّمة عليه ومرجحة بالنسبة إليه.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قال: زاغت وأثمت.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: مالت.
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه في قوله: {وصالح الْمُؤْمِنِينَ} قال: أبو بكر وعمر.
وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود مثله.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في فضائل الصحابة من وجه آخر عنه مثله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، وابن عباس مثله.
وأخرج الحاكم عن أبي أمامة مرفوعاً مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم. قال السيوطي بسندٍ ضعيف عن عليّ مرفوعاً قال: هو عليّ بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «{وصالح الْمُؤْمِنِينَ} عليّ بن أبي طالب».
وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {وصالح الْمُؤْمِنِينَ} قال: هو عليّ بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن بريدة في قوله: {ثيبات وَأَبْكَاراً} قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه أن يزوّجه بالثيب آسية امرأة فرعون، وبالبكر مريم بنت عمران.


قوله: {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ} بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه {وَأَهْلِيكُمْ} بأمرهم بطاعة الله، ونهيهم عن معاصيه {نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب، وقد تقدّم بيان هذا في سورة البقرة. قال مقاتل بن سليمان: المعنى: قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة.
وقال قتادة، ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب، ومن هذا قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا} [طه: 132] وقوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 224]. {عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ} أي: على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها، غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم؛ لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه، وحبب إليهم تعذيب خلقه، وقيل: المراد غلاظ القلوب: شداد الأبدان، وقيل: غلاظ الأقوال شداد الأفعال، وقيل: الغلاظ: ضخام الأجسام، والشداد: الأقوياء {لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ} أي: لا يخافونه في أمره، و{ما} في {مَا أَمَرَهُمْ} يجوز أن تكون موصولة، والعائد محذوف، أي: لا يعصون الله الذي أمرهم به، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف، أو على تقدير نزع الخافض، أي: لا يعصون الله في أمره {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أي: يؤدّونه في وقته من غير تراخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدّمونه. {يأَيُّهَا الذين كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم} أي: يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار تأييساً لهم وقطعاً لأطماعهم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الأعمال في الدنيا، ومثل هذا قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57]. {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً} أي: تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم بالعزم على الترك للذنب، وترك المعاودة له.
والتوبة فرض على الأعيان. قال قتادة: التوبة النصوح الصادقة، وقيل: الخالصة.
وقال الحسن: التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره.
وقال الكلبي: التوبة النصوح: الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالبدن، والاطمئنان على أن لا يعود.
وقال سعيد بن جبير: هي التوبة المقبولة. قرأ الجمهور: {نصوحاً} بفتح النون على الوصف للتوبة، أي: توبة بالغة في النصح، وقرأ الحسن، وخارجة، وأبو بكر عن عاصم بضمها، أي: توبة نصح لأنفسكم، ويجوز أن يكون جمع ناصح، وأن يكون مصدراً يقال: نصح نصاحة ونصوحاً.
قال المبرّد: أراد توبة ذات نصح {عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سيئاتكم وَيُدْخِلَكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} بسبب تلك التوبة، وعسى وإن كان أصلها للإطماع، فهي من الله واجبة؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويدخلكم معطوف على يكفر منصوب بناصبه، وبالنصب قرأ الجمهور، وقرئ بالجزم عطفاً على محل عسى، كأنه قال: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم، ويدخلكم {يَوْمٌ لاَّ يُخْزِى الله النبى} الظرف متعلق ب {يدخلكم}، أي: يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي {والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} والموصول معطوف على النبي، وقيل: الموصول مبتدأ، وخبره: {نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} والأوّل أولى، وتكون جملة {نُورُهُمْ يسعى} في محل نصب على الحال، أو مستأنفة لبيان حالهم، وقد تقدّم في سورة الحديد أن النور يكون معهم حال مشيهم على الصراط، وجملة {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَا إِنَّكَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} في محل نصب على الحال أيضاً، وعلى الوجه الآخر تكون خبراً أخر، وهذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين، كما تقدّم بيانه وتفصيله.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} قال: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهلكم بالذكر ينجكم الله من النار.
وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال: أدّبوا أهليكم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكب أحدهم مسيرة مائة خريف ليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب، يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحناً من لدن قرنه إلى قدمه.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب سئل عن التوبة النصوح، قال: أن يتوب الرجل من العمل السيء، ثم لا يعود إليه أبداً.
وأخرج أحمد، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التوبة من الذنب أن يتوب منه، ثم لا يعود إليه أبداً»، وفي إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف، والصحيح الموقوف، كما أخرجه موقوفاً عنه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: التوبة النصوح تكفر كلّ سيئة، وهو القرآن، ثم قرأ هذه الآية.
وأخرج الحاكم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: {يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى} الآية قال: ليس أحد من الموحدين إلاّ يعطى نوراً يوم القيامة، فأما المنافق فيطفأ نوره، والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق، فهو يقول: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}.


قوله: {ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين} أي: بالسيف والحجة، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في سورة براءة {واغلظ عَلَيْهِمْ} أي: شدّد عليهم في الدعوة، واستعمل الخشونة في أمرهم بالشرائع. قال الحسن: أي: جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي: مصيرهم إليها، يعني: الكفار والمنافقين {وَبِئْسَ المصير} أي: المرجع الذي يرجعون إليه. {ضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} قد تقدّم غير مرّة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة يعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة، أي: جعل الله مثلاً لحال هؤلاء الكفرة، وأنه لا يغني أحد عن أحد {امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ} هذا هو المفعول الأوّل، و{مثلاً} المفعول الثاني حسبما قدّمنا تحقيقه، وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له، وإيضاح لمعناه {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صالحين} وهما نوح ولوط، أي: كانتا في عصمة نكاحهما {فَخَانَتَاهُمَا} أي: فوقعت منهما الخيانة لهما. قال عكرمة، والضحاك: بالكفر، وقيل: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه، وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبيّ قطّ. وقيل: كانت خيانتهما النفاق، وقيل: خانتاهما بالنميمة {فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئاً} أي: فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئًا من النفع، ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله شيئًا من الدفع {وَقِيلَ ادخلا النار مَعَ الدخلين} أي: وقيل لهما في الآخرة، أو عند موتهما: ادخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصي.
وقال يحيى بن سلام: ضرب الله مثلاً للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تظاهرتا عليه. وما أحسن من قال: فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرشد أتمّ إرشاد، ويلوّح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا، وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة. {وَضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ} الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله أي: جعل الله حال امرأة فرعون مثلاً لحال المؤمنين ترغيباً لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين، والصبر في الشدّة، وأن صولة الكفر لا تضرّهم، كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين، وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم {إِذْ قَالَتْ رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الجنة} الظرف متعلق بضرب، أو بمثلاً، أي: ابن لي بيتاً قريباً من رحمتك، أو في أعلى درجات المقربين منك، أو في مكان لا يتصرّف فيه إلاّ بإذنك، وهو الجنة {وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} أي: من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشرّ {وَنَجّنِى مِنَ القوم الظالمين} قال الكلبي: هم أهل مصر.
وقال مقاتل: هم القبط. قال الحسن، وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة، ورفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب. {وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} معطوف على امرأة فرعون، أي: وضرب الله مثلاً للذين آمنوا مريم ابنة عمران، أي: حالها وصفتها، وقيل: إن الناصب لمريم فعل مقدّر أي: واذكر مريم، والمقصود من ذكرها: أن الله سبحانه جمع لها بين كرامة الدنيا والآخرة، واصطفاها على نساء العالمين مع كونها بين قوم كافرين {التى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي: عن الفواحش، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة النساء. قال المفسرون: المراد بالفرج هنا الجيب لقوله: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} وذلك أن جبريل نفخ في جيب درعها فحبلت بعيسى {وَصَدَّقَتْ بكلمات رَبَّهَا} يعني: شرائعه التي شرعها لعباده، وقيل: المراد بالكلمات هنا هو قول جبريل لها: {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} الآية [مريم: 19].
وقال مقاتل: يعني بالكلمات: عيسى. قرأ الجمهور: {وصدّقت} بالتشديد، وقرأ حمزة الأموي، ويعقوب، وقتادة، وأبو مجلز، وعاصم في رواية عنه بالتخفيف. وقرأ الجمهور: {بكلمات} بالجمع، وقرأ الحسن، ومجاهد، والجحدري: {بكلمة} بالإفراد. وقرأ الجمهور: {وكتابه} بالإفراد، وقرأ أهل البصرة، وحفص: {كتبه} بالجمع، والمراد على قراءة الجمهور: الجنس، فيكون في معنى الجمع، وهي الكتب المنزلة على الأنبياء {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} قال قتادة: من القوم المطيعين لربهم.
وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء، ويجوز أن يراد بالقانتين: رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة، وقال: {من القانتين}، ولم يقل من القانتات؛ لتغليب الذكور على الإناث.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: {فَخَانَتَاهُمَا} قال: ما زنتا: أما خيانة امرأة نوح، فكانت تقول للناس: إنه مجنون؛ وأما خيانة امرأة لوط: فكانت تدل على الضيف، فتلك خيانتهما.
وأخرج ابن المنذر عنه: قال: ما بغت امرأة نبيّ قط، وقد رواه ابن عساكر مرفوعاً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة: أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد، وأضجعها على ظهرها، وجعل على صدرها رحى، واستقبل بها عين الشمس، فرفعت رأسها إلى السماء، فقَالَت {رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الجنة} إلى قوله: {مِنَ الظالمين} ففرج الله لها عن بيتها في الجنة فرأته.
وأخرج أحمد، والطبراني، والحاكم، وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت: {رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً}» الآية.
وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
وأخرج وكيع في الغرر عن ابن عباس في قوله: {وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} قال: من جماعته.